دولةُ موظَّفين..* *لا.. دولة مًواطنين* | أنكيدو بريس
دولةُ موظَّفين..* *لا.. دولة مًواطنين*
  • الأربعاء, أبريل 21st, 2021
حجم الخط

*دولةُ موظَّفين..*
*لا.. دولة مًواطنين*

أ.د. ضياء واجد المهندس

عالَمُ النملِ عالَمٌ إجتماعيٌّ غريبٌ، يتفاهمُ عبر موجاتٍ لاسلكيةٍ بتردُّداتٍ محددَّةٍ، إذا دخلتَ على هذا التردد و شوَّشت عليه فإنكَ تكون قد أحدَثتَ إعصارًا في المجتمع النَّملي، و تبدأ الكارثة له بالإبادة..
أتذكًّرُ في بداية التسعينيات كنتُ مُشرفًا على قاعة إمتحانية في كلية الهندسة/ الجامعة المستنصرية و معي خمسٌ من التدريسيات و المُعيدات، و كانت جدرانُ القاعةِ خارطةً من أنفاق النمل الأبيض (دودة الأرَضَة)، قلتُ لإحدى الزميلات: إنَّ النملَ عالَمٌ كادحٌ فيه تخصُّصات متنوعة، و قمتُ بمفتاح السيارة بتدمير أماكن متفرقة من الأنفاق الظاهرة..
قالت لي: ما الذي سيحدث؟!
قلتُ: سيقومُ الفريقُ الإستشاريُّ للنملِ بمُعايَنَةِ الموقعِ و تحديدِ الأضرارِ و إيجادِ الحلولِ و يرسلها إلى مجموعة العمل و الصيانة التي ستُعمِّرُ النفقَ بسماكة أكبر..
تحدَّثَت زميلتي إلى باقي المراقبات حتى استأذنت إحداهُنَّ لجَلب مكبِّرةٍ و مراقبة إدعائي..
بعد ساعتين من بدء الإمتحان إنتابني شعور بأني قد أجرمتُ، لأنَّ المراقبات تَرَكنَ مراقبةَ الطلبة ليتفحصن و يراقبن أداء النمل الأبيض و وسائله العبقرية في إعادة بناء الأنفاق الظاهرة، و إرسال أعمال الإعمار إلى الملكة المتعرِّشَة تحت الأرض بعمق لا يقلُّ عن متر…
و هناكَ قصة معبِّرة و متداوَلة عن عالَم الإدارة الذاتية و كيفية إنجاز المَهام باتقانٍ دون إدارةٍ غبية، أو رقيبٍ فاسدٍ، أو مستشارٍ أبلهٍ، أو مخطِّطٍ إستراتيجيٍّ معتوهٍ..
و القصةُ تحكي عن نملةٍ مجتهدةٍ تتَّجِهُ صباحَ كلِّ يومٍ إلى عملِها، بنشاطٍ وهِمَّةٍ و سعادةٍ، و تُحَقِّقُ إنتاجًا وفيرًا بعملٍ مُتقَنٍ..
و لمَّا رآها الأسدُ تعملُ بكفاءةٍ متناهيةٍ دونَ إشرافِ (مديرٍ) أو رقيبٍ (المفتِّش)، قال لنفسه:
إذا كانت النملةُ تعملُ بكلِّ هذه الطاقة دون أن يُشرِفَ عليها مديرٌ و لا يُتابعها مفتِّشٌ فكيف سيكونُ إنتاجها
لو عيَّنتُ لها مشرفًا و رقيبًا؟!،
قام الأسدُ (الحكومة) بتوظيف
الصُّرصارِ مشرفًا على أداء النملة، و السحلية رقيبًا على دوامها و إنتاجها..
كان أولُ قرارٍ للمشرفِ الصرصارِ هوَ:
١. وَضْعْ نظامٍ للحضور و الإنصراف..
٢. توظيف العقرب (سكرتيرة) لكتابة التقارير، و متابعة البريد.
٣. عَيَّنَ العنكبوتَ (أمن و متابعة) لإدارة الأرشيف و مراقبة المكالمات التليفونية.
إبتهجَ الأسدُ بتقاريرَ الصرصارِ و طلب منه تطوير هذه التقارير بإدراج:
أ. رسوم بيانية.
ب. تحليل المُعطيات لعرضها في اجتماع مجلس الإدارة القادم.
فاشترى الصرصارُ
١. جهاز كمبيوتر من (نوع قرد ٣).
٢. طابعة ليزر من نوع ( سوبر جريذي)..
٣. عيَّن الذُّبابةَ (تخطيط و دراسات)
مسؤولةً عن قسم نُظُمِ المعلومات..
كَرِهَت النَّملةُ المُجتهدَةُ تَضَخُّمَ الجوانبِ الإداريةِ في النظامِ الجديدِ،
و الاجتماعاتَ التي كانت تضيِّعُ الوقتَ و المجهودَ..
أبلغَ أبو بريصُ الأسدَ بانخفاضِ إنتاجية النملة و تدهورِ أدائِها، و نصحَ الأسدَ ب:
١. تغييرِ آلية العمل في القسم الذي وَضَعَ النملةَ فيه.
٢. تعيينِ الجرادة لخبرتها في التطوير الإداري بصفة مستشار.
كان أول قرارات الجرادة المستشار:
١. شراء أثاث جديد.
٢. شراء سجاد من أجل راحة الموظفين، علمًا أنَّ الدائرةَ لا تحتوي سوى عامل واحد (النملة) لم يحظَ بقطعةٍ من السجاد..
٣. تمَّ تعيين مساعدٍ شخصيٍّ لمساعدتها في وضع الإستراتيجيات التطويرية و إعداد الميزانية، و اختارَ الفأرةَ (خبيرًا إستراتيجيًّا)..
و بعد أن راجعَ الأسدُ (الحكومة) مع المفتش(الصرصار)، و اطَّلَعَ على محاضرَ المفتِّشِ (أبو بريص)، و تقريرَ المستشارِ (الجرادة)، مع استمارات الخبير الإستراتيجي (الفأرة)، إتَّضَحَ ارتفاعُ أجور العاملِ (النملة) و الذي كانَ السببُ في ارتفاعِ كُلفةِ التشغيلِ (الموازنة التشغيلية).. وَجَدَ الأسدُ أنَّ من الضروري تقليصَ النفقات، و تحقيقًا لهذا الهدف عيَّنَ البومةَ مستشارًا ماليًّا.
درَسَت البومةُ الوضعَ لمدة ثلاثة أشهر رفعت بعدها تقريرها إلى الأسد، و التي توصَّلَت فيهِ إلى أنَّ القسمَ يعاني من تكدُّسِ العَمالة الزائدة (النملة)،
فقرَّرَ الأسدُ فَصلَ النملةِ من العمل، و تحويل العمل إلى القطاع الخاص(الحيتان و التماسيح)!!
أمسَت النملةُ مُتَسَوِّلَةً تبحثُ عن إعانة إجتماعية، لأنها من ضحايا إعادة الهيكلة و معالجة الأزمات، و ارتفاع البطالة و الخصخصة في دولة الموظفين و الناس المُهَمَّشين، لا دولة المواطنين و الناس المُنتجين..

اللهُمَّ يَسِّر عَمَلَنا للإصلاحِ و الصَّلاحِ..
و أعِنَّا على خير العمل بالنجاح والفلاح..

أ.د. ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي

مواضيع قد تعجبك

أترك تعليق

إستفتاء جاري حاليا

بحث في الموقع

ما رأيك فى إنطلاقة إنكيدو بريس

عرض النتائج

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

عالم وعلم