*أبو العثوگ يخيِّط إفتوگ..*
أ. د. ضياء واجد المهندس
قبل أربع سنوات و في عَصرٍ تَمُّوزِّيٍّ جَهنَّميٍّ، و حالما دخلتُ داري سمعتُ طَرقًا جنونيًّا على باب الدار و رنينًا مستمرًّا في جرس البيت. و حالما خرجتُ و قبل أن أحاولَ تشخيصَ هويةِ الطارقِ، سمعتُ صوتًا جهوريًّا قويًّا لإمراةٍ ثلاثنيَّةِ العمرِ ترتدي جُبَّةً إسلاميةً قالت: أنتم ما تستحون، ما عندكم حياء، و لا غيرة و لا ناموس، تعرفون تخلفون و ما تعرفون تربُّون.. وين مرتَك؟!.
سألتُها: شنو (ما القضية؟!)
قالت: إبنكم ضرب إبني، و أخذ منه الكرة، و واصلَت من غير فاصلٍ: و للعلم وراء إبننا عَمام يكسرون خشوم و خوال يسوُّون طشَّاركم ما له والي، يفلشون بيتكم عليكم، و يكَسرون روؤسكم..
قلتُ لها: إبني غلط، و عندي بالبيت كرة قدم إشتريتها العام من هولندا، أخذيها لإبنك، و عندما يأتي إبني أكسِّر راسَه، و إن شاء الله ما تتكرَّر هذه الحالة مرة ثانية..
قالت بصوتٍ عالٍ: خَلِّي الكرة لحالَك، و اليوم ليلتَك أهلنا يجعلوها سودَة عليك و على الِّخلفوك.
رجعتُ لأنام بضع ساعات، فقد كانت أيامي السابقة عصيبة عليَّ، لم أنَم فيها.. و لكن.. و بعد صلاة العشاء رنَّ جرس الدار، و عندما خرجتُ وجدتُ إثنين من الرجال برفقة المرأة الشرسة، سلَّموا عَلَيَّ، و هَمَّ أحدُهُم أن يسحب رأسي نحوَهُ، و ظننتُ أنه يحاولُ يضربني برأسهِ، فسحبتُ راسي بقوةٍ منهُ، و تبيَّن أنهُ يريدُ تقبيلي من باب الإعتذار، قالَ: حَقَّكَ دكتور ما تقبل الإعتذار، زوجتي سيِّئة ما تعرف الأصول، و لا عَقِل ولا فَهِم و ما تعرف الكلام و لا تقدِّرُ الناسَ، دائمًا توقعنا في مشاكل، و تورِّطنا مع الناس..
دخلوا الدار و بعد ضيافتهم، عرفوا أني وحدي بالدار منذ سنتين، و أنَّ إبني لم يعرفه أحد في المنطقة، و أنَّ مَن
ضَرَبَ إبنَهُم هوَ إبنُ البيتِ المقابل لداري، و أنا توقَّعتُ ذلكَ لكنِّي أسررتُ ذلكَ في نفسي…
سألني زوجُها:
لماذا لم ترد عليها؟!، أجبتُ: لأني خشيتُ أن تعملَ زوجتُكَ مع الآخرينَ مشكلةً، و لأنَّ اللهَ أمرَنا بالصبرِ و السِّترِ، و لأنَّ الأختَ لم تتَّعِظ من مصائب الدَّهر و هموم الناس لتشتبكَ مع الناس..
عندمااتَّصلَ بي أحدُ الخبراء من المجلس، قبل أربع سنوات يطلبُ مساعدتَنا في تهديدٍ مسلَّحٍ و عشائريٍّ من أحد المسوؤلين الفاسدين، كنَّا قد نشرنا ملفات فساده التي سرَّبها لنا زميلٌ شجاعٌ.. و في البدء إلتقيتُ بأحدِ الشيوخِ في بغداد في بيت أحدِ أصدقائِنا فوجَّهَ لنا النصيحةَ الآتيةَ:
قال الشيخ: خُذ ثلاثينَ جكسارة (مُحَمَّلَةً) بالشيوخ و السادة (علويِّ النَّسَبِ)، و ثلاثين سيارة (كيَّا) فيها شبابٌ مسلَّحٌ..
إذا احتجنا ندكهُم (نَهجم عليهم)، لأنَّ خصمكم مسوؤل و عنده حمايات إذا ما يشوف العين الحمرة يدمُّركم..
إنتظرتهُ نصف ساعة لكي يحسب تكاليف يوم حلِّ القضية، فكان الرقمُ فلكيًّا.. رجعتُ إلى الدار مهمومًا مثقَلًا بالألم و الحسرة، و لكني لم أيأس من رحمة الله تعالى و نصره لنا… عندما وصلنا الى صاحبنا، تضايقتُ و تألمتُ عليه..
قرَّرتُ أن أعيد الكَرَّةَ مرَّةً أخرى، بناءً على نصيحة من أحد الإخوان أرشدنا إلى شيخٍ صاحب بخت، و انطلقتُ معه إلى الشيخ المبخوت الذي قد يُسهِمُ في مساعدتنا لحلِّ مشكلتنا..
دخلنا إلى بستانٍ، فسألتُ صديقي:
هذا بستان، و أشار إلى شخص يعمل في الأرض قائلًا:
هذا الشيخ.
قلتُ له: هل فلاح ممكن أن يحلَّ مشكلةً مع مسوؤلٍ فاسدٍ؟!
أستقبلنا رجلٌ يحملُ (عثوگ تمر)، فقال صاحبي: أبو العثوگ هو الذي يخيِّط الفتوگ، وهذا ماحدث..
لقد كان الشيخُ كريمًا سَمْحًا ذا عقلٍ رشيدٍ، إفترقنا على نصيحةٍ منهُ لنا:
(يا دكتور لقد كسرت ظهرَك بحمل دهرِكَ ، إصبر لأنكَ أمامَ موجٍ عالٍ و ناسٍ لا تُبالي)، قلتُ: حسبنا الله هو مولانا و ناصرنا، فقال: نِعمَ المولى و نِعمَ النصير ..
اللهمَّ احفَظ العراقَ و أهلَهُ،
اللهمَّ أُنصُر العراقَ و أهلَهُ.
أ.د. ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي.