آه..لن يغفر لهم الله…
أ.د.ضياء واجد المهندس
منذ ٨ ساعات وانا احاول ان اتمالك نفسي من الدمع والرجفة الممزوجة بالغضب لاكتب هذا المقال …
عندما نادوني ان اتهيأ للخروج من زنزانة الامن القذرة ، انشرح قلبي وكأن السماء انفتحت لي، وانا اسمع الكثير يقولون : استاذ لا تنسانا، واخرين يترحمون على والدي لنقل شكواهم .اجلسني الضابط على الكرسي قبل ان ياتي النقيب شقيق احد طلابي ( عبد الكريم) ليرافقني الى باب الامن . وبينما انا جالس، رايت فتاة فارعة الطول ،ذات ثوب اسود طويل حد الارض وكانها خلعت من فوقها العباءة الجنوبية السوداء، حافية القدمين ، ترتدي وشاح يغطي جزء من شعرها المتدلي على كتفيها ، رافعة يديها الى الاعلى و وجهها على الحائط. . اخرج الملازم الاول عمر قلمه ليدون المعلومات في كشف سجل الموقفين و يؤشر قرار القاضي بالإفراج، وهو يتبادل الحديث مع النقيب حول امور الخفارات ،و زواج عمر القريب ،و ايجار المشتمل وو..قالت الفتاة : سيدي ، اروح للحمام ؟!!، قال الضابط عمر : لا ، قبل ساعتين رحتي (كلمة بذيئة لا تليق بذكرها ).. ذهب الضابط الى خزانة الامانات وسلمني المحفظة و الحزام و مفاتيح، وطلب مني التوقيع ، وقعت بدون ان ادقق المحفظة لان النقد العراقي ولم يكن ببالي ان افتح السحاب لادقق ٨٠٠ دولار اعتدت ان اضعهم هناك ، وتبين ان احدهم اخذها.. كررت الفتاة متوسلة ان يسمح لها بالذهاب الى الحمام ، لكن الضابط عمر رفض.. وبينما كان عمر ينصحني بالابتعاد عن المشاكل لكي لا اصبح صاحب سوابق ، وكان يجاملني بعد ان راى النقيب مبتهج لاطلاق سراحي.. انساب بول الفتاة من بين رجليها على بلاط الموزائيك وهي تبكي ، وقتها انتفض الضابط عمر عليها، و صوته يدوي بكل الالفاظ البذيئة التي لم تجدها في قواميس الساقطين والعاهرات.. مسكها من شعرها واسقطها ارضا” ، ولاني كنت قبالة النقيب ، شرعت ان انهض لافكها من يديه ، لكن النقيب وضع يديه على فخذي ، واجبرني على الجلوس، ونظر بغضب لي وكأنه يقول لي: لا تتدخل..مسح الضابط عمر البلاط ( الكاشي) بجسد الفتاة ذات الرداء الاسود و كانها قطعة قماش بالية، كانت الفتاة تصرخ بصوت مبحوح من شدة الالم ،وهي تقول : دخيل الله ، دخيل محمد ، دخيل علي ،الا ان سكت صوتها .تركها وذهب لينظف نفسه في الحمام.
رفعت يدي النقيب ، وقمت لارفع الفتاة واوقفها ..لم استطع في البداية ان ارفعها لا لثقلها ولكن لاني لم استطع ان احرك ذراعي ، وبعد قليل من الوقت تمالكت نفسي لارفع فتاة ببضاء ذات ملامح ملائكة، مزقتها خشونة ما موجود على الارض و عليها دموع ممزوجة بادرارها . لم تكن تستطع الوقوف وعندما اتكأت على كتفي وانا انظر لها ،وكان عينيها الغارقة بالدمع تقول لي : هل يقبل الله ؟!!، هل يرضى الرسول والانبياء بهذا ؟؟؟! ، هل يقبل دينك وضميرك ان يعذبني الضابط بهكذا ذل؟؟؟!!!، ابكتني الفتاة التي كان كتفها يرتكز على كتفي فطولها طابق طولي ، ولم يكن اتكاءها علي ؛ الا لضعفها او لكسور قد حدثت في عظامها المدفونة تحت جلدها الخاوي . اسندتها على الحائط كما يسند النجار قطعة خشب على جدار ، و كنت قاسيا حينما ابعدت يديها عن كتفي ، لان عينيها كانت توحي لي قولا”: ابقيني معك…
بعد ان عاد الضابط عمر ، خلعت قمصلتي وقلت : اضعها عليها ، تبرد خطية ..قال : خليها تولي ، وحالما ودعناه ،قال الضابط : هاي رجالية ما تفيدها ورفعها ووضعها على مكتبه..عندما خرجنا، لامني النقيب بسبب تركي القمصلة للفتاة ذات الرداء الاسود ، لان القمصلة اخذها عمر ، ثم قال : هذه الفتاة مجرمة، لانها ساهمت بقتل ضباط امن و رفاق حزبيين..
خرجت من الامن العامة وكانت قدمي تتحرك ببط ،فلم تعد ان تحمل ثقل جسدي المهموم ب وجع وألم الفتاة ذات الرداء الاسود ، وكان بانتظاري صديق اسمه (على) وبيته في حي العدل ،كان علي قد كمل اجراءات الكفالة وارسلها بيد صديقه وجاره الذي يعمل في استعلامات الامن العامة ..عندما وصلت الدار ، كان الهم والحزن ثقيل ، وكأن السموات والارض انطبقت علي، وانا لا استطع ان انسى ما فعله الضابط بالمرأة و عينيها، وكيف كانت تستجدي مني المساعدة والرحمة .. كنت قد نويت ان اذهب الى النجف لزيارة الامام علي (ع) لارمي في ضريحه دليل الظلم الذي انتاب فتاة عراقية ولانقل لها كلامها ( يرضيك ياعلي !!!!؟) ، الا ان المفاجأءة كانت عندما لم اجد المنديل الذي تبين فيما بعد ان زوجتي رمته لان فيه دم ورائحة ادرار…
لاشهر لم انم ، وان نمت لساعة او ساعتين ،ينتابني كابوس امراة من بلور ،تشع نور ، وياتي وحش ليكسرها فيتناثر النور بشكل قطع من البلور علي و يمزقني…
بقيت طوال السنين الماضية اناصر المراة حتى ان الكثيرين من السياسيين لا يفقهوا ان في داخلي وفي ذمتي دين لن استطيع تسديده كان لمنع التعذيب عن امراة و نصرتها..
اللهم اغفر لنا ذنوبنا واعفو عن تخاذلنا..
انت مولانا فانصرنا على القوم الظالمين ..